سورة الجاثية - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)}
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ذكر كمال قدرته وتمام نعمته على عباده، وبين أنه خلق ما خلق لمنافعهم. {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} يعني أن ذلك فعله وخلقه وإحسان منه وإنعام. وقرأ ابن عباس والجحدري وغيرهما {جَمِيعاً مِنْهُ} بكسر الميم وتشديد النون وتنوين الهاء، منصوبا على المصدر. قال أبو عمرو: وكذلك سمعت مسلمة يقرؤها {منة} أي تفضلا وكرما. وعن مسلمة بن محارب أيضا {جميعا منه} على إضافة المن إلى هاء الكناية. وهو عند أبي حاتم خبر ابتداء محذوف، أي ذلك، أو هو منه. وقراءة الجماعة ظاهرة. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}


{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)}
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} جزم على جواب {قل} تشبيها بالشرط والجزاء، كقولك: قم تصب خيرا.
وقيل: هو على حذف اللام.
وقيل: على معنى قل لهم اغفروا يغفروا، فهو جواب أمر محذوف دل الكلام عليه، قاله علي بن عيسى واختاره ابن العربي. ونزلت الآية بسبب أن رجلا من قريش شتم عمر بن الخطاب فهم أن يبطش به. قال ابن العربي: وهذا لم يصح. وذكر الواحدي والقشيري وغيرهما عن ابن عباس أن الآية نزلت في عمر مع عبد الله بن أبي في غزوة بني المصطلق، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها المريسيع فأرسل عبد الله غلامه ليستقي، وأبطأ عليه فقال: ما حبسك؟ قال: غلام عمر بن الخطاب قعد على فم البئر، فما ترك أحدا يستقي حتى ملا قرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرب أبي بكر، وملأ لمولاه. فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك. فبلغ عمر رضي الله عنه قوله، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله، فأنزل الله هذه الآية. هذه رواية عطاء عن ابن عباس.
وروى عنه ميمون بن مهران قال: لما نزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: 245] قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج رب محمد! قال: فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فجاء جبريل عليه السلام إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «إن ربك يقول لك قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله». وأعلم أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبه، فلما جاء قال: «يا عمر، ضع سيفك» قال: يا رسول الله، صدقت. أشهد إنك أرسلت بالحق. قال: «فإن ربك يقول قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله» قال: لا جرم! والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي. قلت: وما ذكره المهدوي والنحاس فهو رواية الضحاك عن ابن عباس، وهو قول القرظي والسدي، وعليه يتوجه النسخ في الآية. وعلى أن الآية نزلت بالمدينة أو في غزوة بني المصطلق فليست بمنسوخة. ومعنى {يَغْفِرُوا}: يعفوا ويتجاوزوا. ومعنى {لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}: أي لا يرجون ثوابه.
وقيل: أي لا يخافون بأس الله ونقمه.
وقيل: الرجاء بمعنى الخوف، كقوله: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً} [نوح: 13] أي لا تخافون له عظمة. والمعنى: لا تخشون مثل عذاب الأمم الخالية. والأيام يعبر بها عن الوقائع.
وقيل: لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه.
وقيل: المعنى لا يخافون البعث. {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} قراءة العامة {لِيَجْزِيَ} بالياء على معنى ليجزي الله. وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر {لنجزي} بالنون على التعظيم. وقرأ أبو جعفر والأعرج وشيبة {ليجزي} بياء مضمومة وفتح الزاي على الفعل المجهول، {قَوْماً} بالنصب. قال أبو عمرو: وهذا لحن ظاهر.
وقال الكسائي: معناه ليجزي الجزاء قوما، نظيره {وكذلك نجي المؤمنين} على قراءة ابن عامر وأبي بكر في سورة الأنبياء. قال الشاعر:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب *** لسب بذلك الجرو الكلابا
أي لسب السب.


{مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}
تقدم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8